وقعت معركة اليمامة سنة 11 هـ من الهجرة / 632 م في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه . واليمامة إحدى معارك حروب الردة ، وكانت بسبب ارتداد بني حنيفة وتنبؤ مسيلمة الكذاب الذي ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أشركه في الأمر ، ومما قوى أمر مسيلمة شهادة نهار الرحال بن عنفوة الذي شهد له - كذبا - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشركه في الأمر . وقد وجه أبو بكر الصديق عكرمة بن أبي جهل لقتاله كما وجه شرحبيل لقتاله أيضا ولما فشلا وجه إليه خالد بن الوليد في جيش جمع خيار الصحابة والقراء ، فلما سمع مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء فاستنفر الناس فجعلوا يخرجون إليه حتي بلغوا 40.000 رجل اتبعه أكثرهم عصبية ، حتى كان بعضهم يشهد أن مسيلمة كذاب وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لكنه يقول : " كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر " . فكان بينهم وبين المسلمين يوم شديد الهول ثبت فيه بنو حنيفة وقاتلوا عن أنفسهم وأحسابهم قتالا شديدا ، حتي انكشف المسلمون وكادت الهزيمة تلحقهم لولا رجال من ذوي الدين والحمية الدينية والغيرة على حرماته فثبتوا وصرخوا في الناس : " يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال " وأمرهم خالد بأن يمتازوا حتي يعلم من أين يُؤتوا ، ثم شد المسلمون حتي فر بني حنيفة إلي الحديقة التي تسمي حديقة الرحمن وكانت منيعة الجدران فتحصنوا بها إلا أن المسلمين استطاعوا أن يقتحموها ، فقتل فيها مسيلمة وكان قاتله هو وحشي قاتل حمزة فيما قيل ، وقد قتل في هذه المعركة خلق كثير من المسلمين وانتهت المعركة بالصلح ، ودعاهم خالد إلي الإسلام ، فأسلموا عن آخرهم ورجعوا إلي الحق ، ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي ، وساق الباقين إلي المدينة .
لقد كانت اليمامة جزء من البحرين كما أسلفنا ولقد كانت تسمى سابقا (جوّ) إلا إن امرأة من قبيلة جديس البائدة اسمها اليمامة قد صلبت على بابها فسميت بعد ذلك باليمامة وقد كانت تسكنها قبيلة بني حنيفة وكان كبيرهم هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب وهو الذي ادعى النبوة فسمي بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وكان قد كتب إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتابا قال فيه( من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فان لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا لا ينصفون والسلام عليك) فكتب إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام على من اتبع الهدى) ولما توفي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أرسل أبو بكر خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومي بقواته إلى اليمامة لإخضاع بني حنيفة وزعيمهم مسيلمة الكذاب وكان مسيلمة هذا قد ولد ونشأ في القرية المسماة الآن الجبيلة قرب العيينة بوادي حنيفة في نجد.
وقد تقدم خالدا بقواته لمحاربة المرتدين في اليمامة وقد اشتركت معه بالقتال ضد المرتدين قبائل من بكر بن وائل ومنهم بنو شيبان وتمكن من إخضاع قبيلة مجاعة بن مرارة بن سلمى ثم عسكر خالد على مسافة ميل من اليمامة وكانت قوات بني حنيفة أصحاب مسيلمة بقيادة الرجّال بن عنفوة ومعه محكم بن الطفيل بن سبيع فهاجم خالد هجوما شديدا ودارت اشد المعارك العنيفة التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم كما قتل الرجّال بن عنفوة وقد تمكن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من قتل المحكم بسهم أصابه به وهنا تراجع جيش المرتدين إلى الحديقة فدارت بها اعنف المعارك وأكثرها ضراوة حتى سميت (حديقة الموت) لكثرة الخسائر التي أصابت الطرفين حتى انتهت المعركة النهائية بمقتل مسيلمة الكذاب وإبادة جيشه ولقد اختلف المؤرخون والرواة في تحديد قاتل مسيلمة والتثبيت على ذلك بعدة روايات فمنهم من قال إن خداش بن بشير الأصم هو الذي قتله ومنهم من قال إن وحشي بن حرب الحبشي قاتل الحمزة رضي الله عنه قال انه قتله وهو القائل( قتلت خير الناس وشر الناس) ومنهم من قال إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هو من قتله وفيهم من قال إن جميع أولئك الرجال قد اشتركوا بقتله.
وقد قال أحد رجال مسيلمة بعد قتل المحكم
فان انج منها انج منها عظيمة
وإلا فاني شارب كاس محكم
وهو قول يدلل على الحيرة ومدى الشعور بالأزمة الكبيرة فقد كان عدد من استشهد من الصحابة قد تجاوز الألف شهيد بتلك المعارك وحدها بينهم زيد بن الخطاب أخا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قتله أبو مريم اياس بن صبيح ومن غريب عدالة سيدنا عمر انه عفا عن أبي مريم لانه عاد إلى الإسلام بعد المعركة فعينه قاضيا على البصرة!!
كما استشهد أيضا في تلك المعارك الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد بن الوليد رضي الله عنه كما استشهد بها أيضا الصحابي أبو دجانة رضي الله عنه وأيضا الحكم بن سعد بن العاص بن أمية وغيرهم كثيرون رحمهم الله ورضي عنهم ولحقنا بهم.