((يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)).
وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير والكرم والجود منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح.
ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى.
فالواجب في مثل هذا أن يُتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا هرولته كهرولته، وهكذا غضبه، وهكذا رضاه، وهكذا مجيئه يوم القيامة وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وهكذا استواؤه على العرش، وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه فيها خلقه.
فكما أن استواءه على العرش، ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة، لا يشابه استواء خلقه ولا مجيء خلقه، ولا نزول خلقه؛ فهكذا تقربه إلى عباده العابدين له والمسارعين لطاعته، وتقربه إليهم لا يشابه تقربهم، وليس قربه منهم كقربهم منه، يشابه فيه خلقه سبحانه وتعالى كسائر الصفات، فهو أعلم بالصفات وأعلم بكيفيتها عز وجل.
وقد أجمع السلف على أن الواجب في صفات الرب وأسمائه إمرارها كما جاءت واعتقاد معناها وأنه حق يليق بالله سبحانه وتعالى، وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، فالصفات كالذات، فكما أن الذات يجب إثباتها لله وأنه سبحانه وتعالى هو الكامل في ذلك، فهكذا صفاته يجب إثباتها له سبحانه مع الإيمان والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها، وأنها لا تشابه صفات الخلق، كما قال عز وجل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ[1]، وقال عز وجل: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[2]، وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[3]. فرد على المشبهة بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وقوله: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ، ورد على المعطلة بقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، وقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ، وإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[4]، وقوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ[5]، وقوله: إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[6]، إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[7] إلى غير ذلك. فالواجب على المسلمين علماء وعامة إثبات ما أثبته الله لنفسه، إثباتاً بلا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه تنزيهاً بلا تعطيل، هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم من سلف الأمة، كالفقهاء السبعة، وكمالك بن أنس، والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد، وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة الإسلام، يقولون: أمروها كما جاءت، وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
وأما ما قاله المعلقان في هذا (علوي وصاحبه محمود) فهو كلام ليس بجيد وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء وهذه الثمرة وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منه، ولكنه ليس هذا هو المعنى بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب، والمشي والهرولة، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، من غير أن يشابه خلقه في شيء من ذلك، فنثبته لله على الوجه الذي أراده من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وقولهم: إن هذا من تصوير المعقول بالمحسوس، هذا غلط، وهكذا يقول أهل البدع في أشياء كثيرة، وهم يؤولون، والأصل عدم التأويل، وعدم التكييف، وعدم التمثيل، والتحريف، فتمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتعرض لها بتأويل ولا بتحريف ولا بتعطيل، بل نثبت معانيها لله، كما أثبتها لنفسه، وكما خاطبنا بها، إثباتاً يليق بالله، لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى في شيء منها، كما نقول في الغضب، واليد، والوجه، والأصابع، والكراهة، والنزول، والاستواء، فالباب واحد، وباب الصفات باب واحد.