عادات وتقاليد الاحتفال بالمولد النبوي في مصر مظاهر وانطباعات مصرية
عادات ومظاهر الاحتفال في الشعب المصري في صدر الاسلام ,
كان الإحتفال بالمناسبات الدينية قاصراً على تلاوة القرآن والإكثار
من أعمال البر, وعندما إتسعت الدولة الإسلامية, وخالط المسلمون
الفرس والرومان, كان عليهم أن يسايروا أساليب الحضارة في تلك
الممالك والبلاد التي فتحوها, فقلدوهم في عاداتهم التي لا تتعارض
مع الأخلاق العربية الكريمة ولا ينهي عنها الدين الحنيف..
وكانت البادرة من الامويين ثم تبعهم العباسيون الذين يعدوا قدوة
في إرساء قواعد أبهة الملك.. وهم أول من احتفل بمولد النبي,
وقد اشتهر عن (مظفر الدين) صاحب اربل في العصر العباسي:
عنايته الفائقة بالاحتفالات الدينية, التي كانت تبلغ أبهتها في الإحتفال
بمولد رسولنا الكريم, ثم حذا حذوه السلطان (أبوحمو موسى)
صاحب تلمسان بالمغرب.
وعبر مختلف عصور الدول الإسلامية,
عرفت مصر عدداً كبيراً من الأعياد والاحتفالات,
التي إرتبطت بعقائد المصريين ودياناتهم, فقد كان لكل من المسلمين
والنصارى واليهود أعيادهم ومواسمهم,
التي إتخذت الإحتفالات بها ـ مظاهرة محددة ـ إرتبطت بعادات
وتقاليد الشعب المصري.
ففي عصر الدولة الفاطمية, التي نشأت حاملة لواء زعامة الإسلام
والخلافة ـ في ظروف سياسية ودينية خاصة ـ كان الفاطميون
حريصين على إعادة صياغة عقل الشعب وروحه وحياته العامة والخاصة,
وفقا لتوجهاتهم ورسومهم,
فنرى الحياة الإجتماعية المصرية في ذلك العصر,
إتخذت مظاهر تألقت بألوان من البذخ والترف والفخامة,
قل أن نجدها في عصر آخر من عصور مصر الإسلامية.
وكانت هذه الحياة ـ مرآة للدولة الفاطمية ـ طبعت بمنهاجها السياسي
والديني والفكري, وعلى الرغم من تحفظ الشعب المصري في مشايعة
الدولة الجديدة في غاياتها المذهبية, فقد إستمتع بالفيض الفاطي
وروعته في مواكب الخلافة, ورسومها الباهرة, ومآدبها الشهيرة,
وعطاياها المأثورة, ومازال كثير من آثار تلك الرسوم والاحتفالات
في أعيادنا وتقاليدنا الدينية المعاصرة.
وقد إنتهت إلينا صور ومشاهد للمواكب الإحتفالية والمواسم الفاطمية,
بأقلام مؤرخين معاصرين لذلك الزمان منهم: إبن زولاق والمسبحي
وابن الطوير وابن المأمون, وكان الإحتفال بالمولد النبوي من
أبرز مشاهد الخلافة الفاطمية,
فيذكر المؤرخ العلامة (المقريزي) عن إبن المأمون:
(.. واستهل ربيع الأول, ونبدأ بما شرف به الشهر المذكور,
وهو ذكر مولد سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم,
لثلاث عشرة منه, اطلق ما هو برسم الصدقات من مال النجاوي
خاصة ستة آلاف درهم,
ومن الأصناف من دار الفطرة أربعون صينية, ومن الخزائن برسم
المتولين والسدنة للمشاهد الشريفة بين الجبل والقرافة,
التي فيها أعضاء آل رسول الله صلى الله عليه وسلم,
سكر ولوز وعسل وشيرج لكل مشهد,
وما يتولى تفرقته سنا الملك ابن ميسر أربعمائة رطل حلاوة
وألف رطل خبز).
مآدب الفاطمية
وكانت المآدب الفاطمية والأسمطة الرسمية والشعبية,
من الأحداث الشهيرة في ذلك العصر, كما كان الخلفاء الفاطميون
يشهدون هذه الاحتفالات والأعياد بإحدى المناظر الملكية,
ويحتشد العامة لمشاهدة الخليفة عند ظهوره بالمنظره.
أو لرؤية موكب قاضي القضاه,
والانعامات والهدايا تشمل كل الأمراء وأرباب الرتب وأصحاب
الدواوين وأرباب السيوف والأقلام,
والخطباء والقراء وسدنة المشاهد والأضرحة.
وقد أشارالمقريزي إلى خمسة موالد أخرى,
كان الفاطميون حريصون على الإحتفاء بها,
هي: مولد الإمام الحسين (5 ربيع الأول)
ومولد السيدة فاطمة الزهراء (20 جمادي الاخرة)
ومولد الإمام علي (13 رجب) ومولد الإمام الحسن (15 رمضان)
وفي عصر الدولة الايوبية,
أبطلت كل مظاهر الاحتفالات الدينية, فقد كان السلطان صلاح الدين يوسف
يهدف إلى توطيد أركان دولته, لمواجهة ما يتهددها من أخطار
خارجية وإقتلاع المذهب الشيعي,
بمحو كافة الظواهر الإجتماعية التي ميزت العصر الفاطمي.