منذ فترة ليست بالكبيرة بدأنا نلاحظ موجة من الأغانى والكليبات والأفلام على الطريقة الغربية، والتى قام منتجوها باقتباس بعض أنواع الفن الغربى الذى لا يتناسب وقيمنا، ولايتناسب وحاجاتنا، بل هو فن نشأ نتيجة عصر الترف الشديد الذى تحياه بعض الدول الصناعية الكبرى. فبدأنا نشاهد أغانى راقصة وموسيقى صاخبة وفتيات عارية بل وأفلام حركة وإثارة دون أن يكون لدينا هدف من إنتاج تلك الأفلام سوى تقليد الآخر، مع أن أفلام الحركة هى فى رأيى المتواضع جزء أصيل من الثقافة الغربية التى قل أبطالها الحقيقيين فلجأوا إلى الأسطورة.
ومع انتشار هذا النوع من الفن الذى لا يتفق مع هويتنا، ظهرت الدعوة لوجود فن إسلامى يجابه هذا الفن الجديد المنتشر ويكون بديلاً عنه لنشر قيم الخير والتسامح بدلأ من نشر ثقافة الإباحية والقتل والتدمير.
واحترم العديدون تلك الدعوة لما فيها من محاولة لتخليصنا من الغزو الثقافى الذى نحياه. ولما بدأ بعض الفنانين الإستجابة لتلك الدعوة ظهرت العديد من الأغانى المصورة التى تسعى لنشر قيم الإسلام المتسامحة.
ومع ازدياد انتشار تلك الأغانى بدأت الطامة الكبرى تحدث، وهى أننا لم نتخلص أبداً من الغزو الثقافى الغربى، بل أصبحت الأغانى المصورة الدينية التى ننتجها تُنتج فى نفس القالب الغربى إياه، فتجد نفس الموسيقى الراقصة، ونفس الملابس ذات الطابع الغربى، ونفس طريقة الإخراج وحركات الكاميرا السريعة، بل والأكثر إثارة للغيظ هو وجود العديد من الأصوات الرديئة التى اعتبرت أن مجرد غناءها للدين هو مغفرة لذلك الصوت الذى يخرج من حنجرة لا تصلح للغناء. وما زاد الأمر سوءاً هو أن منتجو تلك الأغانى قد شاركوا فى استنزاف مواردنا الاقتصادية وأصبحت اعلانات تحميل تلك نغمات تلك الأغانى على الهاتف النقال تملأ الشاشات، فأصبحنا باسم الدين نصيب اقتصادنا فى مقتل.
إن الأمر أشبه بالحفاظ على نفس طريقة الحياة الغربية مع استبدال بعض الكلمات بكلمات أخرى دينية، فتركنا أساس المشكلة ورأينا أن الحل يكمن فى جزء بعيد جداً عن المشكلة الرئيسية.
إننى أعتقد أن المطرب الوطنى هو من يعيش أطول فى أذهان الناس، لأنه يحكى آلامهم وأفراحهم ويحمسهم عند القتال ويواسيهم عند الهزيمة، ولقد رأينا جميعاً كيف أحب المصريون عبد الحليم حافظ وكيف كانوا ومازالوا متأثرين به على الرغم من مرور ما يقرب من ثلاثين عاماً على وفاته، وكيف ينسونه وهو من غنى فدائى وصورة والبندقية اتكلمت وأحلف بسماها وبترابها وعدا النهار وياأهلاً بالمعارك، وكيف ينسونه وهو من غنى رسالة من تحت الماء وموعود وقارئة الفنجان.
إننا نحتاج بشدة لمطرب وطنى، مطرب يحمسنا ويبين لنا اننا سنجاهد لاستعادة الأرض، مطرب يغنى لانتصار حزب الله الأخير على الصهاينة، مطرب يغنى لحماس ولشهداء فلسطين ، مطرب يعلن أن القوة هى السبيل الوحيد لمنع انتهاك الكرامة العربية، مطرب يصرخ مطالباً بحقوق الناس يوم أن ضاعت حقوقهم فى غياهب الروتين.
إننا نحيا فى عصر تملؤه المكايد ضد هويتنا وثقافتنا بل وحياتنا كله، عصر أصبحنا مهددين فيه بالفناء، فكيف بالله ندعو لأن ينتشر الحب فى العالم. هل رأيتم من قبل رجل يُذبح وهو يقف مبتسماً منادياً بالحب بين البشر؟. الا يستطيع ذلك الرجل أن يحاول أن يدفع السكين عن رقبته؟
إننى أشعر أننا قد خلقنا وهماً وعشنا فيه، وصدقنا أننا بهذا الطريقة نبنى حضارتنا من جديد. بالله عليكم ، أليس هذا هو السخف بعينه؟.
منقووووووول